الكثير من السياسة مفسدة محققة!!

--الكثير من السياسة مفسدة محققة!!

الكثير من السياسة مفسدة محققة!!

في ظل تعاظم الفائدة المرجوة من عمل المراجع الداخلي في تعزيز فرص الرقابة وجودتها وتخفيض حجم المخاطر داخل المنشأة في عملياتها وأصولها واجراءاتها وتدابيرها، لازلنا بحاجة مرة اخرى الى لفت النظر الى البيئة او الثقافة العامة وحجم تأثيرها على السلوك التنظيمي داخل المنشاة ومن ثم سلوك مكونات ذلك التنظيم او المنظمة. الرقابة لا تبدأ فقط من خلال تحديد مدى الالتزام بالاجراءات والصلاحيات والسلطات بل تتعدى ذلك الى ما هو أهم وهو تحديد القيم التي قامت عليها المنظمة والتي من خلالها وعلى أساسها تكوّنَ باقي المبنى التنظيمي والاجرائي من موظفين وعملاء ومجلس ادارة والذين هم بدورهم كونوا الاجراءات والقرارات والأعمال. قد أضع كاميرا لمراقبة موظف الصندوق او احدد صلاحيات حساب كل موظف داخل نظامي الالكتروني لكن ذلك سيكون بلا أي فائدة حين أعلم يقينا ان مجلس الادارة لا تبالي كثيرا بتلك المعطيات و أهمية الرقابة فتكون الثقافة العامة ان هذه الاجراءات الرقابية ما هي الا امور صورية غير فاعلة. الثقافة العامة هي الهواء الذي تتنفسه المنظمة ومن يعمل بها. الرقابة اثناء العمل لن تكون فاعلة حين يكون فريق المراجعة نفسه مليء ومتشبع بلعبة المصالح هو يعتقد ان الاستقلالية ما هي متطلب عائم غير محدد الهوية وبناءا على ذلك هو يسعى لتعظيم مصالحه دون ان يكون ذلك الامر ملحوظا خصوصا حين يجد ان البيئة حوله تدعم ذلك وتعززه. تزداد المخاطر محل التقييم حين تكون المنشأة مليئة بالهواء الغير النقي مليئة بالثقافة المبنية على تبادل المصالح على تعزيز المنافع الشخصية على عدم اولوية مصالح المنظمة او المنشأة. هل سنعتقد ان الحفاظ على أصول المنشأة أولوية أمام موظف غير متسم باي صفة سلوكية او مهنية غير انه من العائلة الفلانية او المنطقة الفلانية. أي حجم للمخاطر نقيمه حين يكون مجلس الادارة مصدر للشائعات ومعززا لها داخل بيئة العمل حتى تكون لعبة المصالح والاحزاب ذات فائدة ومنفعة على اللاعبين في ذلك الملعب. مسكين ذلك المراجع الداخلي الذي يحاول ان يطبق معايير المراجعة الداخلية و يحاول ان يكون فعالا محققا للهدف من وجوده حين يكون في بيئة مليئة بالشائعات مليئة بالضبابية مليئة بالمصالح المزدوجة مليئة بالمخاطر عندها سيكون مجبرا على الخروج بمهنته او البقاء على حسابها. المراجعة بحد ذاتها لا تتقبلها النفس البشرية فلا احد يحب ان احدا ما يعقب على فعله ثم يبدي ملاحظات مهنية حياله فما بالك حين تكون الثقافة العامة ملتهبة ومستعرة، فهل سيكون تقرير المراجع الداخلي محل اعتبار هل سيكون عمله محل أثر. ثقافة المنشأة تبدا من الاعلى الى الاسفل فمتى ما كان الجوا العام في قمة الهرم صحي واخلاقي وفعال بالاتجاه الايجابي فكل ما انحدر تحته سيكون معزز لذلك الجو، لكن متى ما كان ذلك الجو مسموما بأدخنة المصالح والاحزاب والسلوكيات السلبية لا يُعتقد ان تكون البيئة جاهزة لحجم رقابة اقوى وحجم مخاطر أقل. أحد صفات السياسية تقديم المصالح وجعلها مناط القرارات فمتى اتحدت مصالحنا تشاركنا ومتى اختلفت تواطئنا الى كل الاساليب سليمها وسقيمها ليعظم كل منا مصلحته فنشكل التحالفات ونأتمر لممارسة كل ما يحقق المصلحة ولا نبالي بحجم الضرر على الغير طالما ان المصلحة تحققت، يمكن قياس ذلك على حال الاداري داخل المنظمة الذي سيحاول قدر ما استطاع ان يحد من حجم التعاون مع المراجع وسيسعى لحشد الكثير من الحلفاء حتى يكون في مكان أقوى وسلطة اعلى، يكون امامها المراجع الداخلي المستقل محدود الأثر وتقاريره مصيرها الحفظ والأدراج فلا مرجع قوي يسنده ولا بيئة عامة تعطيه المجال للتوقف واصلاح الخلل. كنت يوما بأحد منافذ البيع لأحد الشركات المعروفة، كان الموظف يطيل الحديث معي وكان خلفه شخص يقلب في الورق ويسأله بين فينة واخرى والموظف كان مصرا ان يتحدث الي وبإسهاب، كنت مستغربا ولكني احسنت الظن وقلت “ماشاء الله هذا الموظف لبق جدا ويحاول ان يكسب عميله باصرار عجيب!!”، وما أن خرج ذلك الشخص قال لي الموظف بزهوا وهو يسر الي ” هذا الشخص هو المراجع والحمدلله أنه انتهى وخرج!” لم يكن الأمر غريبا بالنسبة لي فهذه طبيعة البشر لا يتقبلون المراجعة خصوصا حين ينظر الى المراجعة على أنها نوع من “العبء” او ” عدم المرونة”.فلا اعتقد ان ذلك الموظف نظر الى اهمية دور ذلك المراجع في حمايته كموظف من نزواته وحماية المنشأة من اضرار المخالفات والانحرافات ومعالجا للمشاكل قبل استفحالها ومانعا لها قبل حدوثها. فهنا يجب ان نسأل هل الثقافة بتلك الشركة عززت لأهمية المراجع الداخلي ودوره؟ وهل ما يقوم به المراجع يعكس تماما ثقافة المنشأة المقصوده في اجراءتها واهدافها وسلوكها ايضا في التعامل مع المخاطر؟ فمتى انسجمت الثقافة مع دور المراجع كلما عظمت الفائدة المتحققة من وجوده. معهد المراجعين الداخلين (IIA) في تقريره الخاص بدور المراجع الداخلي ببيئة المنشآت او ثقافتها بعام 2014، شدد أيضا على ضرورة جاهزية المراجع لقراءة المشهد (ثقافة المنشأة) ومن ثم امتلاكه المهارات المطلوبة للتناغم مع تلك البيئة بما يجعل دوره اكثر فاعليه. حين يُعطى المراجع الدور الكامل والدعم الواضح من الاداريين ومن الطبقة العليا فعليه ان يكون قادرا على التعامل مع الثقافة العامة المقصودة ومراجعتها من خلال اساليب الاستنتاج والاستقراء والتفسير لما يقوم به من مقابلات وتفاعل مع الادارات بمختلفها. احيانا ما يقدمه المراجع من رأي في تقاريره لا يجب ان يكون دائما كتابيا فاحيانا تكون التغذية العكسية اللفظية من خلال التواصل المباشر وامتلاك قدرات التواصل المطلوبة اكثر تقبلا من المدراء من ما هو كتابي وذلك قد يكون متأثرا بنوع ثقافة المنشأة. أيضا المراجع يحتاج ان يكون واعيا لدوره المهني حتى لا يكون جزءا من الثقافة العامة في المنظمة سواء حسنت او ساءت فتكون تلك الثقافة هي المحرك له دون ان يكون فاعلا في احداث الأثر المهني المطلوب. كما أن المراجع مهتم بالحد من الانحرافات المتعارضة مع مصالح المنشأة و المتعارضة مع اجراءاتها التنظيمية والرقابية، ايضا هو منتظر منه ان يكون ملاحظا ومراجعا بحسه المهني وقدراته التحليلية والاستقرائية لثقافة المنشأة وجوها العام ومدى اتساق القرارات والاجراءات معها. انظمة حوكمة الشركات توصي بلجان المراجعة المستقلة توصي بأهمية الاختيار المستقل توصي بأهمية تواصل اللجنة والمراجع الداخلي توصي بأهمية الثقافة والسلوكيات للمنشآت تسعى لتعزيز ذلك لكن كل ذلك سيضل صوريا وغير فعال دون ان يكون واقعا ملموسا يشعر بأهميتة المراجع الداخلي ويستفيد من فعاليته المراجع الخارجي وينتفع بتحقق أهدافه المنشأة وملاكها والاقتصاد نهاية بأكمله. الحديث لا يقف عند القطاع الخاص ويتعداه الى القطاع العام فالبطالة المقنعة ولعبة المصالح الشرسة والاحزاب المتناحرة والاهداف الغير نبيله والشائعات المفتعلة والشفاعات الغير سليمة و التكتلات السياسية لن تكون ابدا بيئة ملائمة لدور مراجع داخلي فعال ولا انظمة رقابة صادقة (فلا بد ان نكون صادقين فالمراجع جزء من كل وان كان مطالب ان يكون دوما الجزء الممثل لأهمية المصالح العامة قبل الخاصة حماية لاصول المنشاة وأهدافها و مستقبلها واجراءاتها التنظيمية والرقابية) خاتمة: المراجع طبيب يعالج ويصحح ويقي ويطور في نظر الثقافة السليمة والجوا الصحي الملائم لأدواره ،،، وهو أيضا عدو وبلا دور وبلا أهمية بل ومعطل لعملية التطوير في ثقافة المصالح الشخصية والنزاعات المركزية والاهداف الغير سليمة والسلوكيات السلبية،،، لذلك يقول لازلو بوك احد القادة بشركة جوجل العملاقة معززا لأهمية ثقافة المنظمة ” نحتاج ان نطبق ما هو ملائم للعمل في شركتنا وليس ما كان ملائما وعاملا في منشآت أخرى” وهو ما يجب ان يضعه المراجع الداخلي ايضا بالاعتبار.

الكاتب: ياسر النفيسة 

منقول من صحيفة مال 

بواسطة | 2018-03-12T00:41:58+03:00 مارس 9th, 2018|مقالات|0 تعليقات

عن الكاتب:

أترك تعليق