المحاسب السعودي بين رغبة التغيير ومعوقات الواقع !!

--المحاسب السعودي بين رغبة التغيير ومعوقات الواقع !!

المحاسب السعودي بين رغبة التغيير ومعوقات الواقع !!

أبدت الهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين رغبة واضحة لسعودة مهنة المحاسبة ودعم الوسط المهني بالكفاءات اللازمة من الشباب السعودي (وهذا يُرى ظاهرا في نظام المحاسبين القانونيين المختص بتنظيم المهنة والذي ينص صراحة على إلزام المكاتب المختصة بمهنة المحاسبة بنسب سعودة معينة).وبرغم هذا النص النظامي والرغبة المتجددة إلا أنه لا يزال واقع السعودة في تلك المكاتب المحاسبية متخلفا بشكل كبير جدا حيث لا تتجاوز نسبة السعودة في مجال مهنة المحاسبة (بحسب تصريح أخير ادلى به أمين عام الهيئة السعودية للمحاسبين القانونين) حاجز 29% من اجمالي العاملين في المكاتب المحاسبية ناهيك عن عدم تجاوز  نسبة السعودة في مهن المحاسبة في مختلف المؤسسات حاجز ال 5%!!

دعم المهنة بشباب سعودي قادر مهنيا وعلميا أمر يتنازعه دوما اطراف عدة بين الاقسام العلمية في الجامعات، المكاتب المحاسبية، الشاب السعودي، المؤسسات التجارية والمالية المختلفة. كثيرا ما أسمع من ملاك المكاتب المحاسبية او الاداريين بالمؤسسات المختلفة حين أطرح عليهم التساؤل حول مسببات غياب عنصر العمل السعودي في مجال المحاسبة، أن المشكلة تنحصر في الشاب السعودي الذي لا يجد العمل في المهنة مجديا اقتصاديا لذا هو لا يستمر، واحيانا أخرى يتم الالماح الى أنهم لا يجدون العنصر السعودي منافسا للعنصر الاجنبي من الناحية المهنية (كقدرات مهنية من خبرة وشهادات مهنية) أو لغويا (ضعف اللغة الانجليزية) او جدية (عدم الانضباطية). في المقابل حين اوجه التساؤل ذاته الى خريج قسم المحاسبة في الجامعات السعودية وسبب عدم استمراره في التخصص او طرق المجال المهني (مكاتب المحاسبة المختصة) تكون الاجابة لا نجد الأمر مجديا اقتصاديا فبيئة العمل متردية،وساعات العمل طويلة والحوافز المالية والمعنوية ضعيفة، وإن رغبنا وطرقنا ابواب المهنة  فإن معوقات القبول الوظيفي المرتكزة على مبرر اللغة الانجليزية غالبا ما تكون حاجزا حاجبا. وعلى الجانب الاخر الاقسام العلمية المختصة بمجال المحاسبة والمالية تبقى تعاني من ضعف امكاناتها من جانب (ويشمل ذلك القدرات البشرية و الموارد النظرية من مراجع وابحاث معاصرة) وتسارع التطورات في مجال المهنة الذي يجعل الضغط عالي على الاقسام لمواكبة السوق مما افقد خططها الدراسية وتفاصيل مقرراتها احيانا الاستقرار وهذا كله بلا شك له تأثيره على المخرجات (خريجي تلك الاقسام). كما أن تلك الاقسام تقع بين ضغط السوق الذي يطلب مهارات قد لا تتوائم مع قيمها وامكاناتها مما جعل بوجهة نظري هناك فجوة في التوقعات بين الاقسام المحاسبية و الجهة المنظمة والسوق المحاسبي. 

لن أحاول في هذا المقال الدخول في جدل حول المسبب الاساس في هذه الفجوة او النقص في العنصر السعودي في مجال المحاسبة لانه باعتقادي جميع الاطراف عليها ما عليها من المسئولية ولديها جانب من القصور اسهم بشكل معين في الفجوة الحالية. لكن ما يجب ان نعيه أن معرفة المشكلة وتجديد اعلان وجودها ووجود التنظيم الملزم بالسعودة وتطوير الكفاءات السعودية كانت ولا زالت محاولات متزامنة مع مهنة المحاسبة منذ نشأتها في الممكلة العربية السعودية إلا أن الفجوة لا زالت موجودة رغم أن نتائج دراسة ميدانية وصفية عملت حديثا على سوق عمل المحاسبين والماليين للباحثين خالد بهجت و أحمد النافع أشارت الى أن هذه السوق لديها حقيقة مقومات الجذب والحوافز القادرة على جذب وابقاء وتطوير الكفاءات السعودية. فمثلا تشير نتائجهم الى ان متوسط دخل العامل في هذا السوق من غير حاملي الشهادة المهنية وقليل الخبرة هو 6035ريال وان متوسط الدخل يصبح بعد 12 سنة خبرة 21609 ريال. أما في حالة الحصول على شهادات مهنية فان متوسط الدخل يكون مع خبرة 12 سنة 32079 ريال. وأكدت الدراسة الى ان اي تطور مهني يحصل عليه العامل في هذه السوق غالبا ما يكون له تأثيرا قويا على مستوى دخل ذلك العامل.

وباعتقادي ان التطور المستمر في مجال الاعمال تسبب في تزايد الطلب على تطوير المخرجات المحاسبية وايضا ادى الى تزايد الفجوة نوعا ما. وهنا يمكن القول أن من أهم المعوقات في مهنة المحاسبة والمالية والتي تواجه خريجي الاقسام العلمية من الجامعات السعودية عموما هو معوق اللغة الانجليزية حيث اصبحت بمثابة متطلب أساس للعمل المهني في وسط الأعمال، اضافة الى معوق اخر وهو كثافة تواجد العنصر الاجنبي الذي احيانا يؤدي إلى نشأة بيئة طاردة للشاب السعودي حديث التخرج (خشية استمراره وتطوره). فكثير من الشهادات المهنية الدولية المختصة في مجال المحاسبة تقدم باللغة الانجليزية وكثير من المراجع المحاسبية والتي تكون متزامنة ومعاصرة للتطورات الحديثة بالمهنة باللغة الانجليزية ولا تزال عملية الترجمة لدينا قاصرة  ومحدودة (لاسباب مختلفة من ضمنها وجهة نظر تبني اللغة برمتها بدلا من الترجمة) لردم هذه الهوة التي تتسبب في تأخرنا في مجالات عدة. بل ان بعض عمليات الترجمة يشوبها ما يشوبها من خطأ التفسير وايضا ضعف العرض ورتابة اللغة المستخدمة في الترجمة. لذا هذه المسببات وان كانت قد ترى هامشية الا انها تبقى من المسببات التي قد تكون ذات عمق وقد تكون ادت بشكل او باخر الى بقاء الفجوة رغم طول الرغبة في زيادة نسب السعودة.

بطبيعة الحال يظل الوضع الحالي افضل من السابق فيما يتعلق باهتمام العنصر البشري السعودي بتطوير قدراته في مجال المهنة ورغبته في الدخول في غمار المهنة والاستمرار بها وهذا يرى ملحوظا في عدد المتقدمين سنويا لاختبارات الزمالة للهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين والتي تشهد تزايدا ملحوظا كل سنة من الجنسين الذكور والاناث. كما ايضا نجد العديد من الشباب السعودي الذي حصل اليوم على العديد من الشهادات المتقدمة في المهنة علميا ومهنيا،وفي الحقيقة الشهادات لا يمكن ان تكون حكما دقيقا ومطلقا حول ماهية التطور وحقيقته ولكنها تبقى شئنا ام ابينا مدلولا هاما يعكس قدرة الشاب السعودي متى امتلك الطموح والرغبة ووجد الحافز والدعم.

 لهذا أرى ان أحد الحلول اليسيرة والممكنة والتي قد تكون محفزا لعملية تزايد نسب السعودة هو عمل الشراكات الفعلية الغير الصورية بين المؤسسات المختلفة واقسام المحاسبة في الجامعات السعودية فيما يتعلق باستقطاب مخرجات الاقسام إما من خلال برامج تدريب تعاوني جادة او من خلال برامج مدعومة من قبل الجهات المختصة بهدف احلال العنصر السعودي. وهذا الامر لابد ان يكون محفزا من قبل انظمة الهيئة السعودية للمحاسبين السعوديين ووزارة العمل مما يجعل استقطاب الخريج أمر ليس مبنيا على عملية المجاملة او المسئولية الاجتماعية التسويقية او من باب “الفزعة” وانما تكون برامج مقصودة لتسكين الشباب السعودي المقتدر علميا والكفؤ مهنيا لملأ وشغر الوظائف المحاسبية داخل القطاعات المختلفة. وهذا سيتطلب جهدا من قبل الجهات المنظمة لمتابعة مصداقية وفعالية تطبيق البرنامج وايضا جهدا من قبل الشباب السعودي لاقناع الجهات المختلفة بقدراتهم  وضغطا على المؤسسات بأن تتنافس على استقطاب الشباب السعودي المتميز. نعي ان المؤسسات قامت لتعظيم ثروات ملاكها وان لديها ما لديها من اعمال لكن يبقى الشباب السعودي الكفؤ وهنا احدد واقول الكفؤ مستحقا للفرصة التي قد تكون غابت عنه نتيجة امتلاك او اصطناع المؤسسات الاعذار تلو الاعذار لعدم استقطابه و احتواءة ومنحه الفرصة لاثبات مهارته وقدرته. كما قلت الحال اليوم افضل ولكننا لا زلنا نرغب المزيد والعبء برأيي مشترك ويجب ان يُفهم على انه مشترك بين الاقسام العلمية والخريجين و مكاتب المحاسبة  (او المؤسسات المالية المهتمة بخريجي المهنة).

خاتمة: السعودة هدف نبيل يزداد صعوبة بعدم جدية وصبر البعض القليل من الشباب السعودي و تعارضه احيانا مع أهداف الربحية الاستثنائية التي تنشدها كثير من مؤسسات الأعمال،لذا نقول نبل الهدف وسموه لا يضمن سهولة تحقيقه!!.

الكاتب: ياسر النفيسة 

منقول من صحيفة مال 

بواسطة | 2018-03-12T00:44:26+03:00 مارس 9th, 2018|مقالات|0 تعليقات

عن الكاتب:

أترك تعليق