ريادة الأعمال بين السطحية وحقيقة الطموح !!

--ريادة الأعمال بين السطحية وحقيقة الطموح !!

ريادة الأعمال بين السطحية وحقيقة الطموح !!

هذه الريادة هي حديث الساعة ومحتوى المبادرات هذه الايام في ساحة الاعلام والاعمال لدينا. تأتي كمحفز ايجابي و كبديل للبطالة وكشعار جميل لمؤتمرات وندوات ودورات وحملات اعلامية متعددة. الجميع يريد ان يكون رائدا للاعمال لينتهي به الأمر رجل اعمالٍ شاب وثري للغاية كما تصور ذلك الآلات الاعلامية ، وفعلا الجميع يمكن ان يكون أحد رواد الأعمال ولكن الصعب هو ان يكون الجميع كافة روادا للأعمال فساحة السباق تحتاج لاعبين وجماهير تصفق، والمسرح يحتوي ممثلين وعاملين ومدرج مليء بالمتفرجين.

التسطيح المقصود هنا هو محاولة تقديم فكرة ريادة الأعمال على انها طريق الثراء السريع وبديل عن الاعمال والمهن التي يحتاجها المجتمع بدون اي مناقشة لكون الريادة مبنية على صفات يجب ان يمتلكها الراغب في الريادة وعلى رأسها القدرة على المغامرة او المقامرة او باسلوب آخر السماح بمواجهة حجم أكبر من المخاطر.
 
 تُقًدم ريادة الاعمال على انها البداية من الصفر، على انها النجاح في فكرة مشروع تجاري حتى يصبح كبيرا ضخما في ربحه وشكله. بلا شك ان هذا جزء من النموذج ولكنه ليس كل الصورة، فيمكن للطبيب الموظف ان يكون رائدا للاعمال بتقدمه واحسانه العمل ويمكن ان يكون المعلم رائدا للعمل بتميزه وحسن تربيته للنشأ فكل منهم قد يصل بعد جده واجتهاده في عمله او مهنتة وبعد اكتساب الخبرة والمعرفة العميقة الى امتلاك القدرة في البدء او المساهمة في ابتداء مشروع جديد او حتى مشروع تابع يحتوي مزية الابتكار والابداع دون الحاجة الى الاتكاء المفرط على التسطيح الاعلامي لفكرة الريادة. الحملات الاعلامية التي تحاول بتكرار تصوير ريادة الاعمال على أنها الحرية من عبودية الوظائف والأعمال هي هادمة اكثر من ان تكون محفزة. فهذا التسطيح في الطرح كفيل بقتل الهمة لدى الكثير من العاملين معتقدين انهم يعيشون عبودية ورٍق يبحثون عن الخلاص منه من خلال احلام اليقظة “ريادة الأعمال”.

 اي نعم لدينا نماذج نجحت، اي نعم ريادة الاعمال مبناها تعزيز روح الطموح والمغامرة والرغبة والاصرار والايجابية لكنها كحال كل استثمار تصحبها مخاطرها التي ليست باليسيرة. ريادة الأعمال مصطلح جميل لكنه يحتاج الى العدل والانصاف في طريقة طرحه فالنماذج الايجابية التي تطرح كشباب الاعمال الذين بنوا شركات التكنولوجيا العالمية كفيس بوك وسناب شات وغيرها لا يمثلون الجميع كما تحاول الحملات الاعلانية للندوات او البرامج التلفزيونية تصوير ذلك. فسناب شات وفيس بوك تمتلأ بالموظفين والمهندسين الموهوبين الذين بهم تكونت تلك الشركات وباتت ضخمة.

أنا هنا لا ادعوا الى السلبية ولا الى مواجهة هذا الحافز الايجابي انا هنا احاول تعديل الميل الذي اراه في التعاطي مع مصطلح ريادة الأعمال الذي حُصِرَ في مفهوم الربحية السريعة والفكرة التجارية المبتكرة التي لا طريق لها الا النجاح والذي هو مسألة وقت فقط . 
 
ما أريد أن يُفهم بعمق ان الريادة لا تقف عند حدود فكرة التحرر من الوظيفة او انها الملاذ الآمن من البطالة بل هي قد تكون طريق البطالة حين يكون مفهوم ريادة الأعمال رديف احلام اليقظة التي يتنقل فيها الشخص في تصورٍ لنفسه من صاحب شركة مقاولات ضخمة إلى شركة تكنولوجيا متقدمة او حتى مالكا لمطعم شهير.

كل هذا يمكن ان يكون فالأمل نعيش به لتحقيق اهدافنا واحلامنا لكن الواقعية ايضا أمر نحتاج ان نتعامل به ونضعه بعين الاعتبار فلو ان الأمر بتلك السهولة لفعله كل أحد منا ولأصبحنا جميعا بلا استثناء روادا ناجحين فالأمر يحتاج تضحيات ومغامرة ومقامرة بالمكتسبات وقرار شجاع ولكن كل هذا إن تم اتخاذه وتنفيذه  تحت وطأة الضغط الاعلامي والطرح السطحي بشكل غير مدروس قد تكون له عواقب وخيمة جدا جدا.

فنحن نحتاج موظفين مبدعين نحتاج المهندس والطبيب و الاداري والمالي المبدع فلا يجب ان نهشم ثقتهم بأنفسهم ورغبتهم بالنجاح من خلال تكرار تلك الصورة الذهنية ان الوظيفة ماهي إلا “رٍق وعبودية” و لابد من الخلاص منها باقرب وقت ممكن. 
 
فللأسف كثيرا ما ألتقي بشبابٍ تشبعوا بتلك الأفكار فحين أسأله او أناقشه حول طبيعة عمله او وظيفته أجده مهشم الهمة، بارد التعبير، ضعيف الإلمام، ناقص الاهتمام ، فكل حديثه مليء بالروح السلبية ،والاحباط العالي الناجم من كونه خجلا من حاله، ضائقا من عبوديته (الوظيفة) فذلك الاداري يكثر الطلب وذاك المدير لا يتفهم مشاكلي فلو أنني استقللت ماليا ما بقيت للحظة وانا انتظر الفرصة التي بها أخرج من ذلك القفص واتحرر واستقل واكون بذلك رائدا من رواد الأعمال الشباب الناجحين الذين تُعرض قصصهم وتحكى بطولاتهم في الندوات والمؤتمرات والبرامج التلفزيونية.

وفي كثير من الأحيان يظل ذلك الشخص حبيس تلك الافكار والأحلام فلا هو حقق تطلعاته واصبح كما يعتقد متحررا ومستقلا ورائدا للاعمال ولا ايضا هو تقبل واقعه وعاش لحظات عمله بجد وكد واجتهاد وطموح وروح مفعمة بالنشاط، فتمضي عليه الأيام وهو متردد الخطى حائر الاهداف المستقبلية. بكل تأكيد هو مسئول عن مستقبله وخياراته وادواته لكنه ايضا قد يكون ببساطة ضحية للطرح المكثف السطحي لفكرة الريادة والذي جعلها عاملا نفسيا هداما بدلا من ان تكون مصطلحا شاملا لكل ما هو ايجابي من الأعمال والمهن والأفكار والرؤى.

وهنا يجب ان لا نتجاوز قراءة ما بين السطور ونقول ان الترويج المبسط بشكل مفرط لمفهوم ريادة الأعمال قد يكون مجالا تجاريا يحقق منه الآخرون الكثير فيكونون روادا للأعمال على حساب الضعفاء الباحثين عن هدف او حلم الاستقلالية المالية وذاك اذا ما اخذنا في الاعتبار ان الريادة او ابتدار او ابتكار المشاريع يحتاج الى تمويل و استشارات ودراسات والتي هي بذاتها منتجات مربحة لعديد من المؤسسات التي منها ماهو مالي او فني او اقتصادي او اداري وتسويقي لذلك الريادة هي هدف سامي و نشاط مطلوب لحالة اقتصادية اكثر ازدهارا على صعيد المنافسة والانتاجية ولكن هذا المفهوم يجب ان يعرض بكامل مكوناته بلا اجتزاء يؤدي الى قلب تأثير ذلك المفهوم ليكون هداما في مجمله اكثر من كونه بناءا.
 
خاتمة: يمكن للمعلم أن يرى طالبه مشروعا به يصبح رائدا للأعمال، و للمهندس أن يرى تصميمه مشروعا به يحقق هدف الريادة، وللطبيب أن يرى المريض مشروعا من خلاله يحقق اهداف الريادة، فمآلات الريادة تلتقي في وعاء النجاح والطموح والايجابية والمبادرة و الاتقان، لذا نريد ان نكون جميعا روادا للأعمال كل منا بحسب ما خلق له.  

الكاتب: ياسر النفيسة 

منقول من صحيفة مال 

بواسطة | 2018-03-12T00:46:32+03:00 مارس 9th, 2018|مقالات|0 تعليقات

عن الكاتب:

أترك تعليق