مهنة المحاسبة والخلط الغير مقصود !!

--مهنة المحاسبة والخلط الغير مقصود !!

مهنة المحاسبة والخلط الغير مقصود !!

مهنة المحاسبة بكافة فروعها تعاني شأنها في ذلك شأن كثير من المهن التي أساسياتها و عناصرها القديمة و المستحدثة مستوردة من الدول الأكثر تقدما. فعلى الصعيد العالمي لا تزال المعالجات المحاسبية والمفاهيم المحاسبية متأثرة بالممارسات والنماذج المقدمة في السوق الأمريكي بالاضافة إلى الأسواق الأوربية المتقدمة. لذا تضل المعايير الدولية للمحاسبة والمراجعة و كذا المعايير الأمريكية متأثرة بالممارسات والسياسات والثقافة في تلك الدول. ونتيجة لذلك تبقى عمليات التعريب والاستيراد لتلك المفاهيم والممارسات أحيانا مصدر لكثير من الخلط المفاهيمي او الضبابية التي تجعل الأمر أكثر تعقيدا من حقيقته.

خلال الأيام الماضيه مررت على عدد من التوضيحات والمقالات من قبل المختصين الماليين محاولين فيها بيان الفرق بين مصطلحين محاسبيين هما “الميزانية العامة” و ” الموازنة العامة”. فكما نعلم أن الحكم على الشيء فرع من تصوره فالخلط عند غير المتخصصين لن يكون مؤثرا بإعتبار انها مصطلحات تخصصيه ولكن الخلط يحدث أحيانا من مختصين بشكل لاواعي. و عندما بدأت تحليل ذلك وجدت أن هناك مصطلحات محاسبية  تُحدِث نوعا من عدم الوضوح وصعوبة الفهم للممارسات والنماذج المحاسبية بسبب تداخلها مع مصطلحات اخرى او ضبابيتها.

ولنأخذ هنا مثلا المحاسبة كمهنة فكثيرا ما يحتاج المحاسب إلى بيان وشرح الفرق بين هويته كمحاسب و بين”الكاشير” بإعتبار أن المحاسب صفة أكبر معنى ومهمة من الكاشير وأن الكاشير هو فقط جزء من كل. أيضا في كل سنة يتم فيها طرح الميزانية العامة والموازنة العامة للدولة أسمع وأقرأ مختلف التحليلات التي يكون مبناها غير سليم نتيجة الخلط الغير واعي للمصطلحين ومدلولاتها. فمن أعتمد على الميزانية العامة فهو يحلل أرقاما فعلية حدثت على أرض الواقع ومن يحلل الموازنة العامة هو يحلل أرقاما تقديرية تمثل خطة يراد بها أن تلعب دورا رقابيا على التشغيل المستقبلي ولهذا يعتبر هذا الخلط أمرا ليس ياليسير.

تحليلي البسيط لهذا الخلط او هذه الضبابية التي تحوم حول عدد من المفاهيم المالية او المحاسبية هو راجع الى عمليات الترجمة والاستيراد. وهذا بلا شك يجعل الحمل ثقيل على الجهات التنظيمية عند القيام بعملية تبني او استيراد الممارسات او المفاهيم او الأنظمة بحيث تكون الترجمة (او عملية التعريب) قادرة على عكس المعنى المقصود بشكل واضح ومستقل يحد من حجم الضبابية ويسهل عملية هظم وفهم تلك المصطلحات لأن ذلك الفهم سيترتب عليه في النهاية الممارسات و التحليلات والقرارات.

فمثلا في اللغة الانجليزية يصعب ان تجد الخلط بين المحاسب والكاشير لوجود مصطلحات مستقلة تعبر عن المجالين ومهامهما بوضوح، فالمحاسب باللغة الانجليزية (Accountant) والكاشير (Cashier) وأمين الصندوق (Treasurer)، فنجد هنا أن المصطلحات مختلفة ومستقلة بقدر كافي يمنع الخلط ويدل على محتوى ذلك المجال المهني. وأيضا يصعب أن تجد في اللغة الانجليزية الخلط  بين الميزانية والموازنة وذلك بسبب الاستقلالية التامة بين المصطلحين، فعبارة (Budget) تشير إلى الحصول على بيانات مالية تقديرية حول الأنشطة المستقبلية (خطة مالية) بينما عبارة (Balance Sheet ) تشير إلى ما يطلق عليه في المحاسبة الميزانية العمومية أو الميزانية العامة التي تحتوي أرقاما فعليه حول أصول وإلتزامات المنشأة في تاريخ معين.

لهذا علينا أن نقر أولا كمتخصصين في مجال المحاسبة وأيضا المالية أن غالب النماذج و الممارسات المقدمة في هذه المجالات هي مستوردة من أسواق الدول المتقدمة ولهذا نجد أحيانا صعوبة في إيصال وتبسيط كثير من المفاهيم التخصصية دون الحاجة الى استخدام المصطلح الأجنبي وهذا بلا شك يجعل العبأ أكبر على المؤسسات الأكاديمية والبحثية والمؤسسات التنظيمية للتأكد من قدرة الترجمة على عكس المعاني المقصودة بشكل سهل وميسر. فتجد مثلا في القوائم المالية المقدمة باللغة العربية تنوعا في المصطلحات التي تعكس بندا واحدا من بنود القوائم فمثلا الأصول تُطلِق عليها بعض المؤسسات مسمى الموجودات في حين أن البعض الآخر يستخدم مسمى الممتلكات ليعبر عن ذات الأصول. ومثل هذا التنوع في وصف نفس البند نادرا ما تجده في القوائم المالية المقدمة باللغة الانجليزية مثلا فدائما يتم وصف الأصول لأي مؤسسة مهما كان نوع نشاطها بمسمى (Assets). وهذا بلاشك يسهل من عملية فهم وهظم تلك المصطلحات دون حاجة الى استخدام العديد من المرادفات التي قد تحدث نوع من الخلط الذي قد يعزز من صعوبة فهم وهظم القوائم المالية.

ولهذا أعتقد أنه على الجهات التنظيمية للمهنة أن تستعين بخبراء لغويين خلاف خبراء الترجمة وخبراء المهنة للتأكد من قدرة المصطلحات العربية المستخدمة في ترجمة المفاهيم المحاسبية بصورة تعكس المعنى المقصود بشكل سهل وميسر فأحيانا المصطلحات الضعيفة او الغير واضحة المدلول تتسبب في صعوبات ليس لها أساس في المعالجة ولكن ضعف المصطلحات العربية المستخدمة في الترجمة أحدث هذه الصعوبات. ولا يجب أن تكون هذه الصعوبات المتعلقة بشرح وترجمة المفاهيم المحاسبية الحديثة والمستوردة من الأسواق المتقدمة مبررا نستخدمه لتعزيز فكرة تبني المعايير بلغتها الأجنبية او الاكتفاء بتعليم وتطبيق تلك المفاهيم بلغتها الأساس بل يجب على المختصين التعاون وبذل الجهد المناسب لترجمة تلك المصطلحات وتبسيطها بالشكل المناسب.

فالحقيقة كثيرا ما أجد داخل ندواتنا ومؤتمراتنا التخصصية الاستخدام الشائع من المتخصصين للمصطلحات الأجنبية وقد يكون مصدر ذلك هو وعي المهتم او المتخصص بسهولة ايصال الفكرة بالمصطلح الأم أي المصطلح الاجنبي من مقابله العربي. ولا شك أن الامر ليس يسير فتلك المصطلحات التي تبلورت في شكل نماذج محاسبية متعارف عليها ما هي إلا اعتماد لممارسات محاسبية تعارفت عليها تلك الأسواق المتقدمة لفترة من الزمن ثم بعد ذلك اتجهوا الى تنظيمها و التعبير عنها بمصطلحات معينة تدلل على تلك الممارسات وماهيتها ونهاية وضعوها  في قوالب قانونييه يمكن استخدامها والاعتماد عليها. ولهذا يتوقع أن تكون قدرة المصطلح الأجنبي الذي رافق تلك الممارسة أو المفهوم منذ نشاته أكثر اتصالا وقدرة على التعبير عنه.

واليوم العبء يزداد أمام المختصين بمجالات المحاسبة مع الطلب المتزايد على منتجاب النظام المحاسبي. فنحن اليوم أمام تطبيق ضريبة القيمة المضافة والتي ستزيد من عبأ الترجمة نظير مثلا الحاجة الى استخدام النماذج الضريبية في الدول التي سبقتنا في ذلك مما يستدعي ضرورة أن تكون تلك الترجمة قادرة على أن تحل محل المصطلح الأجنبي لتعكس المعنى بسلاسة. فاليوم هذه المعالجات المحاسبية والمصطلحات المعبرة عنها لا يقتصر تداولها وعرضها على المختصين بل هي اليوم تمس حياة الكثير من أفراد المجتمع مما يعزز أهمية الترجمة الواضحة والسهلة ليسهل على المتلقي البسيط هظم تلك المصطلحات وفهمها بالشكل الذي يجعل قراراته مبنية على أساس متين.

خاتمة: المحاسبة  ليست عبارة عن نظام ينتج مؤشرات رقمية فقط بل هو نظام يقدم مدلولات ومؤشرات (معلومات) ذات معنى جوهري مؤثر متى ما قام المختص بترجتمها وايصالها بلغة وعرض مفهومين وقابلين للتحليل وبناء القرارات.

الكاتب: ياسر النفيسة 

منقول من صحيفة مال 

بواسطة | 2018-03-11T23:58:08+03:00 مارس 9th, 2018|مقالات|0 تعليقات

عن الكاتب:

أترك تعليق