هل يمكن أن نصدق مجلس الإدارة ؟

--هل يمكن أن نصدق مجلس الإدارة ؟

هل يمكن أن نصدق مجلس الإدارة ؟

منذ ان انفصلت ملكية الشركات عن إدارتها وهذا الهاجس ظل مؤرقا لاؤلئك الملاك الذي بدأو تلك المنشآت رغبة في تغظيم ثرواتهم وتبعا لذلك ثروات المجتمع الذي يمثلونه. فمجلس الادارة يملك سلطة اتخاذ القرارات من تحديد الاستيراتيجيات الى تنفيذها. مجلس الادارة وإن كان يبني السياسات والاستيراتيجيات لتحقيق مصالح المنشأة إلا أن هناك مصالح شخصية تتقاطع مع ذلك فكان لابد ان تؤخذ في الاعتبار. فالمالك اليوم هو بعيد عن المنشأة وما يدور داخل دهاليزها من أعمال منها اللازم لتعظيم ثروتها ومنها غير اللازم فيهدر ثروتها. فمن هنا ظهرت المخاطر الناتجة عن الشكوك وعدم اليقين (فالمخاطر ما هي الا نتيجة لغياب المعرفة الحقيقية والاطلاع الفعلي فالمستقبل مليء بالمخاطر لغياب معرفتنا وكما يقال “الخوف من المجهول”). ولهذا الأمر كانت التقارير المعبرة عن الاعمال والانشطة وحالة المنشأة المالية ككل محل نظر وشك من قبل الملاك حتى يتم مراجعتها واضفاء قيمة مضافة لها من قبل شخص او جهة تمثل الطرف الثالث المستقل. بعد دخول الطرف الثالث “المراجع الخارجي” اصبحت مجالس الادارة مطالبة بتوفير المعلومات والافصاح الكامل لاقناع ذالك الطرف بصدقها وعدالة تصويرها للمعلومات المالية بالشكل المتناغم مع العرف المحاسبي. لكن كان السؤال المؤرق (حتى بعد هذه الخطوة المتقدمة لزيادة مصداقية الاخبار المقدمة من مجلس الادارة او ما يسمى بالتقارير المالية) من يعين او يحدد ذاك المراجع ومن يتحمل اتعابة؟ فكان الامر موكل الى جانب كبير جدا الى مجالس الادارة وكان المراجع مستلما لحقوقه واتعابه من خلالها. ومن هنا ايضا ظهرت المخاوف والشكوك حول ماهية العلاقة بين ذاك الطرف الواجب ان يكون مستقلا ومجالس الادارة . وتعتبر هذة المهنة (المراجعة) هامة جدا اليوم لبقاء وتوازن ونمو واستقرار الاسواق المالية. فشركات الاموال “المساهمة” الاحوج لتلك المعلومات المراجعة والاكثر حاجة الى ان تكون المعلومات اكثر مصداقية وعدالة. ومن اجل ذلك حرصت الجهات المنظمة لمهنة المحاسبة والمراجعة على تعزيز قوة تلك المهنة من خلال تحديد معايير وقواعد سلوكية وبرامج جودة اداء لضمان قيامها بمهامها بالشكل الملائم والمطلوب منها من قراء القوائم المالية. لكن رغم تلك المحاولات الهامة ظلت الامور كما هي فالعلاقة محل الشك لازالت قائمة فالمراجع لا يعمل بالمجان بل مقابل اتعاب ومجلس الادارة ليس من صالحه ظهور رأي متحفظ او سلبي ازاء التقارير التي يقدمها لذا هذا التقاطع بات امرا هاما ولكن لا شك ان دور المراجع كان نقلة وامرا مهما للقراء فهو الشخص المستقل و المؤهل مهنيا والمطالب نظاميا بالالتزام بالقواعد والمعايير المهنية محفزا لذلك ببرامج التعليم المستمر والجزاءات النظامية التي تصل الى حد السجن في حالة المخالفة. في عام 2000 م بعد الفضائح المالية لشركتي (Enron) و (ًWorld Com) والتي خلفت سقوط احد اكبر مكاتب المراجعة المعروفة عالميا (Arthur Andersen) الذي كان احد الاسباب في تلك الفضائح لمخالفات مهنية قام بها, بعد تلك المشاكل زادت التساؤلات حول استقلالية المراجعين وحول امكانية الاعتماد على الاراء المقدمة من قبلهم. ولمقابلة تلك المخاوف ولتعزيز استقرار الاسواق المالية سارعت الجهات الرقابية والمنظمة الى وضع القوانين التي تعزز من ثقة القراء وتلزم المراجعيين بالاهتمام بقضايا الالتزام المهني والسلوكي. بعد كل ما حدث ظل الباحثين يطرقون استقلالية ومصداقية المراجعيين الخارجيين على كافة المستويات. كان نتاجها تعزيز قوى الانظمة الرقابية الداخلية في المنشآت من لجان المراجعة وادوار المراجعيين الداخليين الهامة. وبعد الهزة المالية العالمية في 2008م التي خلفت افلاس عدد من المنشآت المالية في مختلف مناطق العالم ظهرت مرة اخرى تساؤلات عدة عن دور المراجعيين الخارجيين واستقلاليتهم. محليا لدينا قضيتي شركة المعجل و شركة موبايلي الاخيرة جاءت ايضا لتطرح التساؤل نفسه حول مصداقية اولا مجالس الادارة في عرض المعلومات العادلة وتبعا لذلك دور المراجع الخارجي في اختبار تلك المصداقية والعدالة. لذا وكأننا نقول بما أن مجالس الادارة اليوم امام مكافآت وحوافز عالية تتحقق لهم على المستوى الشخصي في حالة تضاعف ارباح المنشآت وظهورها بشكل جذاب هم اصبحوا تحت ضغط ذاتي لاظهار تقارير مالية مزخرفة ومزينة بالارباح العالية. وفي المقابل المالك او المستثمر في تلك المنشآت اصبح اكثر توجسا وتخوفا واكثر بحثا وطلبا لتقارير المراجعين التي تؤيد او تنفي ما تم عرضه من قبل مجالس الادارة. ومن اجل ايضا تحقيق مطالب الملاك وطمئنتهم حول ادوار المراجعيين كان ظهور لجان المراجعة للتعامل مع المراجع الخارجي بدلا من مجالس الادارة وهذا فيه حد من العلاقة بين المراجع ومجلس الادارة. ورغم كل الأعمال والمحاولات الجبارة من قبل الهيئات المهنية المهتمة بمهنة المراجعة واللجان الرقابية في الاسواق المالية الا ان دور المراجع الخارجي اصبح دائما محل نظر مكثف وقت اي تأزم مالي. الأحداث التاريخية والفضائح المالية المتعددة والمتكررة خلال العقد الاخير وفي مختلف مناطق العالم جعل الضغط كبير جدا على مهنة المراجعة, فبرغم ما حققته هذه المهنة من تقدم وتطور لمقابلة حاجة قراء القوائم المالية الا ان المخالفات التي كانت مشتركة وان كان بشكل لا واعي مع بعض الازمات المالية ظلت عاملا ضاغطا على المهنيين والمهنة عموما لمحاولة التطوير المتسارع والتعزيز السلوكي الكبير. حوكمة الشركات والنظام السلوكي داخل المنشآت باتت محل اهتمام كبير ونقطة انطلاقة لعمل المراجع الخارجي. وحدث شركة موبايلي الاخير عزز وبشكل لافت وقد يكون درس عالمي بأن حوكمة الشركات الفعالة قادرة على تجاوز الازمات الكبرى وايضا رسالة الى اهمية التعاون الكبير بين لجان المراجعة الداخلية والمراجع الخارجي لان بالنهاية الهدف واحد وهو مهنة تخدم المجتمع بالشكل المتوقع منها. نهاية: ما يجب أن يعيه المنظم والمشرع اكثر من اي وقت مضى ان الجانب السلوكي بات عاملا جوهريا في كثير من الاعمال المقدمة ليس فقط من المراجع الخارجي بل ايضا من مجالس الادارة. فالجمعيات العمومية لابد ان يفعل دورها في التقييم السليم لحالة مجالس الادارات سلوكيا قبل دورها العملي. فبدلا من رمي الحمل الاكبر دوما على المراجع الخارجي (المطالب بتفعيل دوره والعمل وفق المطلوب مهنيا وسلوكيا) لابد ايضا من تفعيل دور الجمعيات العمومية ولابد ان تكون اكثر فعالية في المتابعة والرقابة فمتى شعرت مجالس الادارة بقرب الملاك والمستثمرين كلما كانت سلوكياتهم اكثر حذرا واكثر تماشيا مع السلوكيات المتوقعة والمرجوة. الهدف واحد وان اختلفت المصالح بين مستثمر واداري ومراجع وهو منشآة ناجحة وسوق مالية مستقرة واقتصاد منتفع من كل ذلك. فمتى اعطي طرف دورا اكبر كلما كانت تلك العلاقة غير متزنة ومدعاة الى الاختلاف السلوكي الغير  مرضي. 

الكاتب: ياسر النفيسة 

منقول من صحيفة مال 

بواسطة | 2018-03-12T00:48:57+03:00 مارس 9th, 2018|مقالات|0 تعليقات

عن الكاتب:

أترك تعليق