يتطلب الأمر عدة أشهر أو حتى سنوات ليتبين أثر تطبيق الضرائب بأنواعها، وما يحصل في الولايات المتحدة اليوم على سبيل المثال يوضح ذلك، فالجدل الاقتصادي السياسي حول خطط ترمب الضريبية يبين كيف أن البرامج الضريبية مؤثرة ومعقدة في الوقت نفسه. ولكن ما نشاهده محليا هو ظاهرة خاصة بامتياز، فتطبيق الضريبة بدأ في بيئة ليست معتادة عليه، بوجود محاسبين لم يتعاملوا معها سابقا ومستهلكين لم يستوعبوا بعد أثر وعلاقة الضريبة بكل ريال يصرف وكل ريال يُجنى. كما كان متوقعا، تنوعت ردات الفعل الأولية للتطبيق الفعلي لضريبة القيمة المضافة الذي بدأ قبل بضعة أيام. وأعتقد أن ما حصل يمكن النظر إليه من ثلاث جهات: القطاع الخاص والمستهلك النهائي، إضافة إلى الجهات الحكومية وشبه الحكومية. سأستعرض بعض الملاحظات الأولية، تاركا النظر في بقية التفاصيل والمتابعة خلال الفترة المقبلة بعد الاستقرار والتعود ـــ بإذن الله. يخوض القطاع الخاص عدة تحديات على رأسها إدارة متطلبات التطبيق الكامل تفاديا للمخالفات ثم تحدي التسعير وإدارة التكاليف بعد تطبيق الضريبة الذي أصبح أكثر أهمية في ظل ارتفاع أسعار الوقود والكهرباء ورسوم الوافدين. تراوحت سلوكيات التجار هنا بين من استغل الحدث رافعا من السعر الإجمالي لمنتجه قبل فرض الضريبة، وبين من استغل الحدث ولكن بشكل مغاير وقام بتخفيف الأثر في المستهلك سواء بتحمله الضريبة أو جزءا منها، وهناك من قام بالتطبيق المباشر دون أي مواءمات للأسعار. أشير هنا إلى نقطتين مهمتين، الأولى أن ذاكرة المستهلك ضعيفة ولا تملك القدرة على المقارنة الموضوعية وتفنيد التغيير السعري لبائع يبيع سلعا متنوعة وكثيرة، أو بائع باع له سلعة منذ أشهر أو سنوات. النقطة الثانية، أن أسلوب عرض الضريبة على الفاتورة يؤثر في طريقة استيعابنا للمعالجة الضريبية، فهناك من يظهر تفصيل الضريبة قبل المجموع النهائي، وآخر يضمنها في سعر المنتج ثم يظهر خصمها بعد الإجمالي. كذلك واكب بعض التجار التغيير بحملة تسويقية تشرح أو تبرر سلوكه التسعيري، بينما اكتفى آخرون بالصمت، ولا تخلو تصرفاتهم من مخالفات تستوجب التنبه. على الرغم من أن معدل ضريبة القيمة المضافة ثابت على جميع السلع والخدمات الخاضعة، إلا أن التعديلات السعرية لمواكبة هذا التغيير لن تكون ثابتة. ستنتهي هذه المرحلة الانتقالية بتعلم جديد ومختلف يثبّت سلوكا سعريا جديدا يتوافق مع سلوك العميل، إذ إن التغيير الحالي يعد مجرد اختبار لردة الفعل، وتماشيا بالحد الأدنى مع متطلبات النظام مع الحفاظ على المكاسب المعتادة. أشير كذلك إلى أن النظر في تعامل التجار مع المستهلك النهائي يختلف عن النظر إلى تعامل التجار مع بعضهم بعضا. على الرغم من أن أصداء المستهلك النهائي لأي منتج مكتمل ستصل في نهاية الأمر إلى مورد المادة الخام، إلا أن هذا الأمر يأخذ وقتا أطول من التعامل المباشر، ما ينبئ ببعض التغييرات اللاحقة على سلسلة الإمدادات. قد ترتبط هذه التغييرات بدمج بعض المراحل أو تغيير أسلوب التفاوض وفقا للشفافية التي سترتفع بعض الشيء، ربما تنتج عنها تكتلات أو اتفاقيات سعرية غير تنافسية. النظر من زاوية المستهلك يصنع لنا بعدا جديدا في متابعة الأسعار وملاحظتها. سيعتبر الأول من كانون الثاني (يناير) 2018 نقطة تحول في مستوى الحساسية السعرية لدى المستهلكين. فعليا هناك عدة خطوات اقترحها المستهلكون على وسائل التواصل تفاعلا مع التغيير، منها: إدارة المشتريات بشكل أفضل، متابعة الأسعار والفواتير بطريقة مختلفة عن السابق، إيجاد مصدر دخل مساعد، تعديل أسلوب المعيشة والترفية، ومراجعة أسلوب الادخار إذا كان قائما. كل هذه المقترحات منطقية ومعقولة جدا وقد تصنع تحسنا يخفف من الآثار المتوقعة، ولكنها تدخل ضمن باب تغيير العادات وليست بتلك السهولة، والتأخر في التعامل معها يجعل الواقع أصعب مما هو عليه. الطرف الثالث الذي أعتقد أنه تفاجأ بالتغيير هو الجهات الحكومية أو شبه الحكومية التي تمارس أعمالا قد تخضع لضريبة القيمة المضافة. إجمالا، متطلبات ضريبة القيمة المضافة واضحة بخصوص الأنشطة التي تقدمها هذه الجهات، ولكن المهم هو تأثير التغيير في تشريح هذه الجهات وفهمها لأعمالها من ناحية ضريبية ما سينتج عنه كم جديد من المعرفة الذاتية بخصوص أهداف هذه الأنشطة ووضوحها للجهة نفسها، ولهيئة الزكاة والضريبة، وللمستفيد النهائي. أعتقد أن وجود متطلبات ضريبية يعد دافعا إيجابيا باتجاه الخصخصة باعتبار أنه يدفع نحو تشريح الخدمات والتكاليف حسب طبيعتها وأهدافها بشكل معلن، وهذا يمكن من تمييز جدوى الخصخصة بشكل أكثر وضوحا لصانع القرار. عطفا على الفترة القصيرة جدا من لحظة إعلان تفاصيل المتطلبات الجديدة وحتى التطبيق الكامل، سيظهر مزيد من التفسيرات والتعديلات وستتضح السلوكيات الجديدة بشكل أفضل مع مرور الوقت. وعي المستهلك المتزايد والتغيرات الإيجابية في سلوكه ستشكل دورا مهما في التأثير في سلوكيات جميع الجهات التي تمرر القيمة له.
الكاتب: د. طلال الجديبي
منقول من صحيفة الاقتصادية
أترك تعليق
يجب التسجيللنشر التعليق.